المرصد الديني، هو منصَّة مكرَّسة لرصد الحرِّيات الدينيَّة ومعاينة الخطاب الديني في دور العبادة والمؤسَّسات التعليميَّة والفضاء العام.
تضع التحوّلات الاجتماعيَّة والثقافيَّة والسياسيَّة التي تشهدها مجتمعات المنطقة اليوم، مسؤوليَّة كبيرة على التعليم الديني في إخفاقاته المستمرَّة بإنتاج خطاب ديني متجدِّد يوازن ما بين الأصالة والمعاصرة، خطاب يحتضن القيم الإنسانيّة الكونيّة التي أسَّست لها النصوص المؤسِّسة للأديان وخصوصاً النصّ المؤسِّس للدين الإسلامي وهو القرآن الكريم، والتي تنادي بالتعدُّديَّة والكرامة الإنسانيَّة، بالإضافة إلى العلم والتعلُّم ودور الإنسان في بناء الأرض وإعمارها.
يمتاز الخطاب الديني بقوّته في التأثير على الأفراد والمجتمعات، بالتالي تقع على عاتقه مسؤوليَّة كبيرة في تجويد وعصرنة محتواه، سواء كان خطابًا بالصورة التقليديَّة كخطبة الجمعة، أو ذاك الذي تستخدمه المؤسَّسات التعليميَّة المختلفة أو الشكل الحديث له في الإعلام ومنصَّات التواصل الإجتماعية، ما يجعل مهمَّة تطوير نظم لمساءلة وتقويم مصادر بثّ الخطاب الديني كرجال الدين وغيرهم؛ مهمَّة أساسيَّة وعاجلة على طريق تجذير ثقافة المهنيَّة الأخلاقيَّة في إنتاج هذا الخطاب.
يأتي تأسيس هذا المرصد، من أجل البحث عن إجابات جديدة لأسئلة وتحدِّيات الخطاب الديني في العصر الراهن، والتي في مقدّمتها الحرّيات الدينيَّة، سواء فيما يتعلَّق بالنواحي الاجتماعية أو الاعتقاديَّة أو التربويَّة أو الحضاريَّة، مع الاستناد للقيم التنويريَّة التي جاءت بها الأديان، والتي أصَّلت لكرامة الإنسان وحرّيته وحقوقه، ودعت إلى التعارف والحوار بين البشر، وإلى التفكُّر والسؤال وطلب الحقّ والحكمة.
أهداف المرصد:
يسعى المرصد الديني إلى تحقيق الأهداف التالية:
- المساهمة في إنتاج خطاب ديني حاضن للحرّيات الدينيَّة والكرامة الإنسانيَّة يخلو من التطرُّف ودعوات الكراهية.
- المساهمة في رصد الحرّيات الدينيَّة وتوثيق الانتهاكات الواقعة بحقّها.
- المساهمة في نشر ثقافة المساءلة الاجتماعيَّة للخطاب الديني، من خلال تبنِّي ممارسات نقديَّة منهجيَّة.
- المساهمة في تطوير وعصرنة الخطاب الديني، وتمكين المجتمعات من التزوّد بالمعرفة الدينيَّة التنويريَّة والاطّلاع عليها.
- المساهمة في مساعدة المؤسَّسات الدينيَّة والأفراد في تحسين وتطوير محتوى الخطاب الديني.
- المساهمة في تجويد الخطاب الديني من خلال تطوير قدرات التربويِّين ورجال الدين والواعظات عبر التغذية الراجعة.
- تبادل نماذج بديلة مختارة من الخطابات الدينيَّة المستنيرة، التي تتبنَّى قضايا اجتماعيَّة بمنهجيَّة تنويريَّة.
قيم المرصد:
- هي القيم التي نهَت عن تمزيق المجتمعات بسبب الفساد والغلو والغرور والتكفير والفرقة في الدين.
{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا } [آل عمران : 16]
“وتحب الغريب كنفسك” (لاويّين 19:34)
- القيم التي دعَت إلى التعارف والبيان والحوار والحكمة والجدل بالتي هي أحسن، وأكَّدت على القبول بالاختلاف.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الجُجُرات : 13]
“فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلق البشر، ذكراً وأنثى خلقهم” (تكوين: 1:27)
- القيم التي أسَّست لكرامة الإنسان وحرمة الحياة، وأصَّلت لكرامة الفرد وحقوقه وحدوده.
{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء : 70]
أحبّوا بعضكم بعضًا كإخوة، مُفضّلين بعضكم على بعض في الكرامة (رومة 12: 4-13)
- القيم التي أسَّست لحريَّة الإنسان في الاعتقاد والعمل، وحقّه في الاختيار.
{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّـهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة : 256]
“كونوا أحرارًا، ولكن لا تكونوا كمن يجعل الحرية ستارًا للشر، بل كعبيد لله. أكرموا جميع الناس، أحبوا الإخوة” (1 بطرس 2: 13-17)
- القيم التي أمرت بطلب الحق بالقراءة والعلم والتعلُّم والبحث والتفكُّر والعقل والتدبّر والسؤال والاهتداء بالآيات، ونهت عن طلب الحقّ بالانقياد لما (وجدنا عليه آباءنا) والطاعة العمياء للكبراء والسادة.
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّـهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [البقرة : 170]
“15 حِينَئِذٍ ذَهَبَ الْفَرِّيسِيُّونَ وَتَشَاوَرُوا لِكَيْ يَصْطَادُوهُ بِكَلِمَةٍ. 16 فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ تَلاَمِيذَهُمْ مَعَ الْهِيرُودُسِيِّينَ قَائِلِينَ: «يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ صَادِقٌ وَتُعَلِّمُ طَرِيقَ اللهِ بِالْحَقِّ، وَلاَ تُبَالِي بِأَحَدٍ، لأَنَّكَ لاَ تَنْظُرُ إِلَى وُجُوهِ النَّاسِ. 17 فَقُلْ لَنَا: مَاذَا تَظُنُّ؟ أَيَجُوزُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ أَمْ لاَ؟» 18 فَعَلِمَ يَسُوعُ خُبْثَهُمْ وَقَالَ: «لِمَاذَا تُجَرِّبُونَنِي يَا مُرَاؤُونَ؟ 19 أَرُونِي مُعَامَلَةَ الْجِزْيَةِ». فَقَدَّمُوا لَهُ دِينَارًا. 20 فَقَالَ لَهُمْ: «لِمَنْ هذِهِ الصُّورَةُ وَالْكِتَابَةُ؟» 21 قَالُوا لَهُ: «لِقَيْصَرَ». فَقَالَ لَهُمْ: «أَعْطُوا إِذًا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا للهِ للهِ» إنجيل متّى 22: 15-22
- القيم التي دعت إلى إيجاد القاسم المشترك “كلمةٍ سواء” التي نحن اليوم في أشدِّ الحاجة لها لتبنّيها والتعبّد بها إلى الله وحده لا شريك له، وأن لا نتَّخذ من أنفسنا أرباباً يكفّر بعضنا البعض عند الاختلاف فيما بيننا.
{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل : 125]
“وما نحسبه أقلها كرامة هو الذي نخصه بمزيد من التكريم، وما نستحي به هو الذي نخصه بمزيد من الوقار” (1 كورنثس 12: 23-24)
- القيم التي دعت لاستنهاض العقل و”التدافع” للتآلف والتعاون والانسجام، وليس لتأصيل الجهالة بالتنافر للاندفاع للصدام والمعاداة. فسنّة التدافع ليست صراعاً مع الآخر مهما كان الآخر، وإنما أداة للتغيير بالتي هي أحسن. وهي أقرب نقطة للتغيير.
– وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (البقرة: 251)
- القيم التي أسَّست ودعت لإفشاء “السلام” (ادخلوا في السلم كافة) وتأصيله عبر قيَم وآليّات:
أ- الإخاء: تركيز عقيدة الإخاء الإنساني، كون الناس سواسية في الكرامة مخلوقين لرب واحد، من أب واحد وأم واحدة، مهما تباينت مللهم وشرائعهم.
ب- الاحترام والمساواة: تأكيد الاحترام بما يعنيه من تساوي الحقوق الطبيعيَّة لجميع البشر، بدءاً من حقِّ التفكير، والتديّن، والتعبير، والعمل، والاجتماع، وأنّه لا إكراه على دين ولا فكر، بل إنّ التحاور بمنطق وبرهان واحترام هو معبر الإقناع والهدى وحده.
ج- العدل والحقوق: رفض أيّ اعتداء وظلم وتجاوز؛ شعوري، لفظي، فعليّ، على الآخر وحقوقه، ومحاولة رفعه عنه بقدر المستطاع، وجعل “العدل” مع الآخر فريضة ومطلباً ومبدأ ، أيّا كان اختلاف الآخر أو مخالفته.
د- تألّف القلوب وتأليفها: بتصدّر “إصلاح ذات البين” لتكون خير العبادات، وتعلية أخلاق الترفّق، والعفو، والتسامح، وتأكيد التنوّع والاختلاف ونبذ الخلاف، ومدّ جسور التواصل بدل التقاطع، والاجتهاد في إيجاد وتركيز القواسم المشتركة (كلمة سواء) في أيّ جامعة دينيَّة أو بشريّة.
ه- التعاون: برفض أي تعاون على الشرّ والإثم والعدوان على أيّ فرد أو فئة، وإيجابه على البرّ والتقوى. وقد حثّ القرآن على التعاون والتضامن والتآلف، وحذَّر في المقابل من التفرُّق والاختلاف والتعادي”. وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ” (المائدة:2)
و- التقوى: بنفي شرور الذات الفرديَّة والمذهبيَّة والطائفيَّة، في أفكارها ومشاعرها وأقوالها وأفعالها، على الآخر المُباين، مهما تمظهرت بإجازات دينيَّة أو دعاوى تميّز وحيازة حقّ.
ز- اللاعنف: بنبذ العنف المادّي والرمزي في حلّ أي نزاع أو إنهاء أي خلاف، لأنه نوع إكراه، وتوسّل ضِعاف، ولا يصنع عقيدة ولا قبولا ولا يزرع أمنا وسلاما.